أشياء " ُيعتقد " أنها أمريكية!-د. أحمد الخميسي/ مصر
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
عالم آخر

أشياء " ُيعتقد " أنها أمريكية!

  د. أحمد الخميسي . كاتب مصري    

 
أسمع وأقرأ يوميا - منذ زمن - عن غارات يسقط فيها قتلى وجرحى وتهدم بيوت   فقراء باكستان في مناطق الحدود مع أفغانستان . دماء الأطفال والنساء وغضب الرجال وصياحهم أشياء حقيقية ومؤكدة ، أما الفاعل فإنه مجهول ! إذ تكتفي الصحف والفضائيات بالقول بأنها غارات " ُيعتقد " ! أو " يُظن " أو " ربما تكون " أمريكية ! . لا يستطيع أحد أن يتوصل إلي هوية الجهة أو الدولة التي ترتكب يوميا جرائم الإبادة الجماعية بطائراتها ! لا تستطيع لا روسيا ولا ألمانيا ولا بريطانيا ولا أمريكا بالطبع بكل ما لديهم من علوم التوصل إلي ذلك الفاعل الماكر المجهول ! لا يستطيع أحد أن يشير إلي الفاعل في وقت يمكن فيه لمن يريد أن يرى عن طريق الانترنت أي شارع بأية مدينة في الأرض عن طريق الانترنت ! . تعجز العلوم الحديثة كلها عند النظر إلي إبادة فقراء الحدود يوميا عن معرفة الفاعل ! لهذا يكتفون بالقول بأنها غارات " ُيعتقد " ، أو " ُيظن " ، وبعض الظن إثم ! الغارات تشنها طائرات بلا طيار ( إلي هذه الدرجة وصل العلم ) لكن هذا العلم ذاته يعجز فجأة  عن تحديد المكان الذي تنطلق منه الطائرات ! وقديما قالوا إن الفعل يبنى للمجهول خوفا على الفاعل أو خوفا منه !  
معظم الغارات تستهدف القبائل الباكستانية ، وليس فقط . فقد أشارت الأنباء منذ فترة قصيرة إلي غارات مماثلة على محافظة مأرب باليمن أسفرت عن مقتل نائب المحافظ وأربعة من حراسه . وحين كان الأمر يتعلق بوجود أسلحة دمار شامل في العراق ، توفر من العلم ما يكفى للإدعاء بوجود تلك الأسلحة ! وحين تعلق الأمر بتفجير برجي التجارة في سبتمبر عام 2001 ، تمكنت الجهات الأمريكية بعد التفجير بساعات ، ومن دون أي تحقيق ، أن تتوصل فورا إلي أن القاعدة هي الفاعل ! وبعد تسع سنوات من الحرب الأمريكية على أفغانستان يبدو الفشل الأمريكي ضخما لا تداريه كل عمليات الإبادة الجماعية لفقراء الحدود وأطفالهم . ومازالت أمريكا تدعي أنها ترمى بحربها إلي " نشر الديمقراطية " حتى لو تكلف ذلك إبادة الشعب الأفغاني بأكمله ، أو هدم العراق ، فالمهم في النهاية أن تبقى في الخراب وبين الأنقاض وردة الحرية الأمريكية ! . ولم يستطع باراك أوباما أن يبرر شيئا من الأوهام والآمال التي عقدها عليه البعض ، فلم نر منه حتى الآن سوى سعيه الحثيث لتقسيم السودان ، وتهديد إيران ، وإدعاء العجز حين يتعلق الأمر بضرورة الضغط على إسرائيل ، واعتصار ثروات العراق ، ومواصلة الحرب الإجرامية على الشعب الأفغاني . وقد كشف الكاتب الأمريكي دونالد لامبرو الهدف الحقيقي للحرب الأمريكية على أفغانستان قائلا : " قد يرى العالم أفغانستان مجرد كتلة من الجبال تنمحي معالمها بين الأطلال المنتشرة في كل مكان ، لكن للجيولوجيين رأيا آخر ، إذ يقدرون أن أفغانستان هي منجم ثروات طبيعية لو توفرت لأي دولة أخرى لكانت من أغنى الدول " . وقد أشارت " نيويورك تايمز " في تقرير لها نشرته جريدة الوطن القطرية إلي أهمية أفغانستان كمعبر لخطوط نفط وغاز كازاخستان وتركمانستان وأذريبجان ، والسيطرة على نفط تلك الدول تعتمد على التحكم في خطوط نقل ذلك النفط . ومن أجل النفط تواصل أمريكا حربها على أفغانستان ، وتواصل تحكمها في العراق الذي اتضح أنه ثالث دولة في العالم من حيث احتياطي النفط بعد السعودية وفنزويلا ، وتبقي حقيقة أن الحرب الفاشلة على الشعب الأفغاني هي الأطول في تاريخ الاستعمار الأمريكي بعد أن طالت أكثر مما طالت الحرب على فيتنام ، ومهما استمرت الطائرات في غاراتها التي " يُعتقد " أنها أمريكية ، فإن مصير الحرب قد تحدد ، واتضح ، حتى لو استمرت الأنباء تبني الأفعال لمجهول .

***



  Ahmad_alkhamisi@yahoo.com
  د. أحمد الخميسي/ مصر (2010-10-11)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

أشياء

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia